عالم الزومبي: وباء الهواتف الذكية

في كل عام، ومع إطلاق إصدار جديد من الهواتف الذكية، نجد أنفسنا نشهد ظاهرة غير مسبوقة. مشهد الآلاف من الأشخاص يقفون في طوابير طويلة خارج المتاجر لشراء أحدث جهاز، وعشرات الملايين يتابعون الأحداث المباشرة لهذه الإطلاقات، وكأننا نعيش في عالم زومبي حقيقي.

من المفترض أن الزومبي هم كائنات خيالية، فاقدة للعقل، تتجول بلا هدف، وتعيش على غرائزها البدائية. ولكن أليس هذا هو الواقع الذي نراه اليوم؟ أليست الأجهزة الذكية هي التي تحولنا إلى كائنات مهووسة، تراقب الشاشات بلا نهاية، وتجري خلف الإصدارات الجديدة دون تفكير؟

سيطرة التكنولوجيا على عقولنا

عندما نفكر في فكرة الزومبي، نفكر في فاقدي الوعي الذين يُقادون بالقوة. واليوم، التكنولوجيا الحديثة، وخاصة الهواتف الذكية، أصبحت هي القوة القائدة لنا. نحن نتحرك بناءً على الإشعارات والتنبيهات، نتحقق من أجهزتنا باستمرار، ونتابع المحتويات المكررة والمملة. لقد أصبحت الأجهزة جزءًا من جسدنا، لا نستطيع أن نعيش يومًا بدونها.

كل عام، تُصدر شركات التكنولوجيا نسخة “محدثة” من أجهزتها، مع تعديلات طفيفة، وتعلن عن ميزات “ثورية”، وتجعلنا نشعر بأننا بحاجة ماسة لاقتناء هذه الأجهزة، كأنها ستغير حياتنا بشكل جوهري. وبينما ننجذب نحوها دون تفكير، ننسى أننا في الواقع نعيش في دوامة استهلاكية، ونجعل حياتنا تتكرر في حلقات لا تنتهي.

وباء الاستهلاك

في الحقيقة، هذا هو الوباء الحقيقي. الزومبي الذين نخاف منهم ليسوا تلك المخلوقات الخيالية التي نشاهدها في الأفلام، بل هم نحن أنفسنا، الذين نخضع لإغراءات التسويق المتواصلة. كل إصدار جديد يعزز فكرة أن “الحياة لن تكتمل إلا بهذا الهاتف”، ويقودنا إلى استبدال أجهزتنا القديمة، حتى وإن كانت لا تزال تعمل بكفاءة.

نحن نصبح زومبي الاستهلاك. نعيش في وهم الحاجة، ونتبع رغباتنا بلا وعي. وبذلك، نفقد التفاعل الحقيقي مع العالم من حولنا. ننسى أن التكنولوجيا يجب أن تكون وسيلة لتحسين حياتنا، وليس العكس.

لكي نتحرر من هذا “الوباء”، علينا أن نعيد التفكير في الطريقة التي نتعامل بها مع التكنولوجيا. علينا أن نسأل أنفسنا: هل نحتاج حقًا إلى جهاز جديد كل عام؟ هل يمكننا أن نستخدم التكنولوجيا بحكمة ووعي بدلاً من أن نجعلها تتحكم بنا؟

العالم ليس بحاجة إلى أبطال يحاربون زومبي خياليين، بل هو بحاجة إلى أناس يدركون أن الوباء الحقيقي هو هذا الإدمان على الاستهلاك، وأن الحل يكمن في العودة إلى التواصل الحقيقي والابتعاد عن هذه الفخاخ التكنولوجية التي تحولنا إلى زومبي دون أن ندري.

العالم الزومبي ليس فكرة خيالية، بل هو حقيقة نعيشها كل يوم. علينا أن نتوقف للحظة، ونسأل أنفسنا: هل نحن نتحكم في التكنولوجيا أم أن التكنولوجيا هي التي تتحكم فينا؟

You May Have Missed